السؤال الشهير: هل اللقاحات تسبب التوحد؟

هل اللقاحات تسبب التوحد؟
آخر المقالات

ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الحركات التي تنادي بإيقاف اللقاحات وحملات تطعيم الأطفال Anti-vax campaigns

إذ إنها ربطت بينها وبين التوحد Autsim وهو أحد أهم الأمراض المنتشرة في الوقت الحالي، وكان من أكثر اللقاحات استهدافًا في هذه الحملات المطعوم الثلاثي المعروف بــ MMR vaccine، وهو أحد أهم أنواع اللقاحات التي تعطى للأطفال في شهورهم الأولى. وهذا المطعوم هو اختصار للحصبة (Measles)، والنكاف (Mumps)، والحصبة الألمانية (Rubella)، و لم تسلم لقاحات الكزاز (Tetanus) والدفتيريا (Diphtheria) وشلل الأطفال Poliomyelitis)) من ذات الاتهامات.

ومن الجدير بالذكر أن الحراك Anti-vax  بدأ في بريطانيا وهي الدولة التي أشارت إليها منظمة الصحة العالمية عام ١٩٩٠ بالدولة التي حدت من وجود الحصبة لثلاث سنوات متتالية، ولكن في مطلع الألفية الثانية بدأ التزايد في الإصابة بالحصبة وارتفاع نسب الوفاة منها.
لماذا وقد كان المطعوم الثلاثي حماية ووقاية من الحصبة وأمراض خطيرة أخرى كانت تحصد أرواح المئات قديمًا قبل اكتشاف اللقاح؟!

      ما هو اللقاح Vaccine ؟   

  • الجهاز المناعي هو خط الدفاع الأول والمقاوم لكافة الكائنات الغريبة التي تدخل جسم الإنسان، ولكل خلية مناعية دور محدد في المقاومة، فمنها ما يبتلع الميكروبات، ومنها ما يحللها، ومنها ما ينتج الأجسام المضادة، وهناك خلايا ذكيّة وهي الخلايا T الذاكرة (2) تخزّن بيانات ما دخل إلى جسم الإنسان وتتذكره إذا عاود الدخول وتعطي جرس الإنذار للجهاز المناعي ليتدخل في الحال، ولكن في عمر الطفولة المبكرة لا بد من حملة تدريب لخلايا الجهاز المناعي، لكي تكون على استعداد تام لمقاومة دخول أي ميكروب مسبب للمرض.
  • وهذا التدريب يتم عن طريق ما يسمى باللقاح والذي يُعطى في الشهور الأولى من الولادة ويعاد تجديده حسب برنامج المطاعيم المتاح.
  • اللقاح هو دواء مُعدّ بيولوجيًّا يعمل على تحسين المناعة ضد مرض أو مجموعة أمراض، إذ يحتوي في تركيبته على الميكروبات الميتة أو الضعيفة أو على سموم الميكروبات أو أحد بروتيناتها المهمة، وهذا كله يعمل على تحفيز الجهاز المناعي وتنشيطه للتعرف على هذه الأجسام الغريبة عند دخولها إلى الجسم ومقاومتها ومن ثم تذكرها من قبل الخلايا الذاكرة في حال دخلت هذه الميكروبات إلى الجسم عن طريق عدوى (3).   
  • وقديمًا قبل اكتشاف اللقاحات كان مرض مثل الحصبة الألمانية يودي بحياة قرابة ثلاثة ملايين طفل سنويًّا، ولكم أن تتخيلوا أنّ جرحًا صغيرًا كان يتسبب بالموت نظرًا لتعرّضه لبكتيريا الكزاز Tetanus.
  • ولكن ما دام اكتشاف اللقاحات ساعد على حماية الإنسان منذ الطفولة من الموت المؤكد، فلماذا ظهرت حملات Anti vax campaigns وطالبت بإيقاف عمليات التطعيم وربطتها بمرض يشغل العديد من الأهالي مثل التوحد Autsim و Autism spectrum disorder؟ ولماذا تبعهم العديد من الناس وتوقفوا عن تطعيم أطفالهم؟


    أصل حكاية علاقة اللقاحات بالتوحد

  • بدأت الحكاية عام ١٩٨٨، عندما نشر الطبيب أندريو واكفيلد Andrew Wakefield بحثًا يربط فيه بين إصابة الأطفال بالتوحد (4) وبين التعرض للقاح المطعوم الثلاثي MMR، ونشر البحث في مجلة لانست Lancet، ولكنه سرعان ما صُنّف من البحوث السيئة وسُحب بسبب التلاعب بالبيانات، وعلى الرغم من ذلك، خرج هذا البحث إلى الشارع العام ليثير موجة من القلق بين الأهالي، وبدأت حركات تنادي بإيقاف التطعيم وتندّد بالشركات الدوائية التي وُصفت بأنها تتلاعب بأرواح الأطفال وتسبب لهم مرضًا عصبيًّا مزمنًا مثل التوحد.
  • من أسباب تصنيف بحث الطبيب واكفيلد بالسيئ هو اعتماده على عينة من ١٢ طفلًا مصابًا بالتوحد استنتج فيها أنه بسبب أخذهم لقاح MMR، وعند تحليل الدراسة من مجموعة كبيرة من العلماء والأطباء تبين أن ٩٠٪ من أطفال بريطانيا تم تلقيحهم خلال فترة الدراسة، وأن الأطفال ال ١٢ المصابين بالتوحد قد تلقوا ذات اللقاح لذلك كان لا بد من أن تحتوي الدراسة على مقارنة بين من تلقى اللقاح وبين مجموعة أخرى لم تتلقَ اللقاح، وكذلك ربط واكفيلد مرض التوحد بوجود أعراض التهاب معوي وقال إنها بسبب اللقاح أيضًا، وتبين لاحقًا أنّ هذه الأعراض ظهرت على ثمانية أطفال من عينة الدراسة وبعد إصابتهم بالتوحد، وعلى ذلك ومع هذه النتائج المشبوهة سُحبت الدراسة من السجل العلمي، ولكن واكفيلد لم يتوقف عند هذا الحد، بل بدأ بتقليب الشارع العام وأنتج فيلمًا وثائقيًّا للتأثير على الرأي العام (5).

     

    Dr.Andrew Wakefield


    العلم يثبت براءة اللقاحات

  • نشر تيلور وزملاؤه في مجلة لانست Lancet عام ١٩٩٩ دراسة مميزة جاءت ردًا وافيًا على ما نشره وايكفيلد (6)، شملت الدراسة ٤٩٨ طفلًا، وهؤلاء الأطفال كانوا: ٢٦١ مصابًا بالتوحد و ١٦٦ طفلًا مصابًا بأعراض تشبه التوحد، و٧١ طفلًا مصابًا بمتلازمة إسبرجر Asperger’s syndrome وهو مرض تشبه أعراضه التوحد في ضعف قدرات التواصل والنطق.
  • وقد أوضحت هذه الدراسة أن النسبة المئوية بين الأطفال الذين تلقوا تطعيمًا من المصابين بالتوحد وبين الأطفال الطبيعين في المنطقة نفسها التي شملتها الدراسة، وكذلك الحال بين من لم يتلقَ التطعيم بين المصابين بالتوحد، وكذلك وجد تيلور أنه لا يوجد فرق في عمر تشخيص التوحد لدى الأطفال الذين تعرضوا للتطعيم والذين لم يتعرضوا للتطعيم، والأهم في كل هذا أن الأعراض لم تظهر بعد شهر أو اثنين أو ستة شهور من التطعيم الثلاثي MMR، وهنا يؤكد تيلور أن ما طرحه وايكفيلد ليس فيه أساس أو ترابط علمي، ومن الجدير بالذكر أن الدراسة أُجريت على المواليد ما بين عامي ١٩٧٩ و ١٩٩٨.
  • في دراسة أخرى نشرها باحث دينماركي  عام ٢٠٠٢ في مجلة New England Journal of Medicine، درست عينة من نصف مليون طفل من مواليد عام ١٩٩١١٩٩٨، وكان منهم ٨٢٪ قد تلقَّوا تطعيمهم، وتعتبر هذه الدراسة من الدراسات المميزة التي نفت وجود أي علاقة بين الإصابة بالتوحد والتعرض للقاح MMR.  وتلخص استنتاجها بأن الإصابة بالتوحد في مجموعة الأطفال الذين أخذوا اللقاح هو نفسه في الأطفال غير الملقحين. إضافة إلى أنه لم يكن هناك أي ارتباط من ناحية عمر الإصابة خلال فترة التطعيم، أو منذ التطعيم، أو علاقة بين تاريخ التطعيم وتطور أعراض التوحد.

     

    الخلاصة:

  • العديد من الدراسات التي ظهرت بعد دراسة تيلور والدنمارك تثبت عدم وجود أي علاقة علمية بين اللقاح والتوحد، وكان منها دراسة نشرت في ٢٠٠٦ بحثت عن وجود بقايا الحمض النووي لفيروس الحصبة في عينات دم أطفال مصابين بالتوحد (8)، ولكن النتائج ظهرت سلبية اعتمادًا على أكثر طرق الكشف دقة، وهنا أُثبت أن لقاح الحصبة بريء من تهمة مرض التوحد، وتلاه بحث نشر في عام ٢٠٠٨ يؤكد عدم وجود أي آثار لبقايا الحمض النووي لفيروس الحصبة في خزعات أخدت من أمعاء أطفال مصابين بالتوحد (9).
  • عشرات الدراسات والمراجعات العلمية أكدت أنّ العلم والبحث العلمي هو الفيصل في دحض أي إشاعة، وأن المنهج العلمي جاهز لخوض مئات التجارب لإثبات الحقيقة كما هي وحماية البشر من المخاطر التي ستلحقهم جراء ترك المطاعيم.  في ٢٠١٤ صدر بحث مهم جدًّا درس عينة شملت أكثر من مليون طفل (10 وكذلك في عام ٢٠١٥ صدرت دراسة أمريكية درست ١٠٠ ألف من الأطفال الأخوة، وفي كلتا الدراستين السابقتين نُفي وجود علاقة بين اللقاح والإصابة بالتوحد (11)
  • أخيرًا جميع الدراسات الجينية، وتوقيت ظهور أول أعراض التوحد، وعلاقة المرض باللقاح، والتطورات غير الطبيعية في الجهاز العصبي لمريض التوحد وغيرها، تدل على أن مرض التوحد يحصل خلال عملية تطور الجهاز العصبي للجنين في الرحم. ومن الجدير بالذكر أن للقاحات مضاعفات جانبية تتفاوت بين شخص وآخر. ولمزيد من المعلومات عن كافة المطاعيم وأعراضها الجانبية لا بد من الاطلاع على المعلومات المهمة في موقع منظمة الصحة العالمية (12)، وبسبب المجموعات الداعمة لحملات عدم التطعيم أصدرت بريطانيا تقريرًا بتزايد عدد الإصابات بالحصبة وذلك من خلال حصول عدوى ضمن مهرجان موسيقي ضخم (13) وسُجّلت حالات إصابات عديدة متفرقة في الولايات المتحدة الأمريكية جراء الانتشار الواسع للمعلومات الخاطئة عن علاقة اللقاح بالإصابة بمرض التوحد مما أدى إلى تزايد في أعداد الرافضين لأخذ اللقاح (14)

    كتابة: د.عليــاء كيــوان 

    اقرأ أيضًا: صورة تُظهر نتيجة تجارب لقاح شلل الأطفال التي يوزعها بيل جيتس في إفريقيا.. مضلل

    المصادر

  • مصدر 1
    مصدر 2
    مصدر 3
    مصدر 4
    مصدر 5
    مصدر 6 
    مصدر 7
    مصدر 8
    مصدر 9
    مصدر 10
    مصدر 11
    مصدر 12
    مصدر 13
    مصدر 14

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.