لا شك انك سمعت بالجدال الدائر حول النباتيّة؛ بعض النباتيين يعتبرون نظامهم الغذائي الافضل على الاطلاق، بينما بعض آكلي اللحوم يعتزّون بأطباقهم اللاحمة الدسمة! من على حق؟ هل النباتيّة هي افضل نظام غذائي؟ ام ان اللحوم اساسيّة لنا؟
هذه المعضلة فيها الكثير من اللبس والتحيز. نادرا ما تجد مقالة موضوعيّة عنها دون شيطنة النظام النباتي او تمجيده. هنا سنحاول قدر الامكان جمع الحقائق بشكل حياديّ دون التحيّز لرأي دون الاخر:
اولا، هناك انواع مختلفة للنباتية أهمها:
-
الخضريّة الصرفة Veganism
-
النباتيةOvo-lacto vegetarianism
الخضرية الصرفة Veganism تمنع أكل او التعامل مع اي منتج مصدره حيواني سواء لحوم، بيض، منتجات الالبان، عسل وغيرها.
بينما النباتية vegetarianism تمنع أكل اللحوم ولكن تسمح بتناول منتجات الحيوانات كالالبان والبيض.
أيّا كان نوع النباتية، فان صاحبها يتبناها عادة لاسباب اخلاقية؛ حيث يحترم الحياة بكافة اشكالها ويرى انه لا يملك الحق بان يسلبها من اي كائن حي. النباتيون يعيشون حالة تناغم فريدة مع الطبيعة. لهذا اعتنقت هذه الفلسفة حضارات تعود لقرون ما قبل الميلاد، كحضارة وادي السند، و دعا اليها فلاسفة من الحضارة اليونانيّة القديمة، فيثاغورس شخصيا عُرف عنه انه كان نباتيا! ومن تاريخنا العربي ابوعلاء المعري كان يرفض تناول اللحوم و ويدعو للنباتية في قصائده مظهرا منتهى الرحمة والاحسان للحيوانات بل حتى للحشرات وكل ذي روح.
ولكن هل نعيش بعالم مثاليّ؟ هل كونُ النباتيّة الخيار الاكثر انسانيّة يجعلها الافضل صحيا؟ لا يتوافق العلم دائما مع العالم الافلاطوني الجميل الذي نريد. فهل يتوافق هنا؟ لنجد الاجابة:
كمتوسط، يحتاج الانسان يوميا الى 2000 سعر حراري، هذه السعرات يفضل ان يكون مصدرها كمتوسط كالاتي:
25% من الدهون
20% من البروتين
55% من الكربويدرات
بالاضافة لمصدر السعرات الحرارية المتزن، يجب ان يحتوي غذاؤنا على المعادن و العناصر الاساسية. فهل يحقق النظام النباتي هذين الشرطين؟
للاسف النباتات لا تحتوي على مقدار مكافئ من البروتين كالذي يوجد في اللحوم، قد يجادل البعض بأنّ النباتات بالفعل تحتوي على كميات من البروتين، ولكن بمقارنة بسيطة:
100 غرام من الدجاج تحوي 31 غرام بروتين و 164 سعر حراري،
بينما 100 غرام من الحمص الحب تحوي فقط 19 غرام بروتين و364 سعر حراري؛ قمية اقل من البروتين بضعف السعرات الحرارية! لك انت تتخيل الزيادة الكليّة في السعرات اذا استبدلنا البروتين الحيواني بكمية مماثلة من البروتين النباتي.
أمّا فيما يخص المعادن والعناصر الرئيسية:
النظام النباتي يفتقر لكميات كافية من احماض الomega-3 ذات السلسلة الطويلة، حيث مصدرها الاساسي هو الاسماك. بالاضافة لافتقاره لكميات كافية من فيتامين B12، اليود، الزينك والكالسيوم. وللاسف يعتبر الحديد النباتي من النوع غر الهيمي صعب الامتصاص، لذلك يعاني النباتيون بالعادة من نقص الحديد. النقص في العناصر المذكورة يؤدي لقائمة طويلة من المشاكل الصحية.
هل نستطيع تجنب هذه المشاكل؟ بالتأكيد! عن طريق اخذ المكملات الغذائية لتجنب نقص العناصر وعن طريق نظام غذائي صارم لتحصيل المكونات الغذائية المهمة و كميات البروتين المناسبة؛ وهنا فقط نستطيع ان نقول ان النظام النباتي صار صحيا ومتزنا ومتفوقا على النظام اللاحم.
دراسات عديدة افادت بأنّ النظام النباتي المتزن يقلل من الامراض المزمنة كالسكري والضغط وامراض القلب، بالاضافة لاطالة العمر المتوقع للفرد وتقليل اعداد الوفيات. ولكن لنركّز على كلمة “متزن”.
في دراسة لجامعة اوكسفورد، تم جمع 6000 شخص نباتي من مختلف انحاء بريطانيا بين سنتي 1980 و1984، وبعد فحصهم تبيّن ان مستويات الدهون الضارة(LDL) والكولسترول في دمهم كانت اقل عند النباتيين الـ (vegans)منها عند آكلي اللحوم. وكانت نسبتها عن النباتيين الـ(vegetarians) متقاربة مع آكلي اللحوم.
تمت متابعة النباتيين المشاركين بالدراسة لمدة 12 سنة، وُجد ان عدد الوفيات ضمنهم كان نصف العدد المتوقع مقارنة بعامة الشعب البريطاني، الجلطات القلبية كانت لديهم اقل والحالة العامة لصحتهم كانت افضل مقارنة مع غير النباتيين.
اذن فالدراسات تفيد بأن النظام النباتي المتزن افضل لصحة الانسان من النظام اللاحم.
ولكن في عصرنا هذا، الذي انغمست فيه البشريّة بنمط الحياة السريع، هل نستطيع الالتزام بنظام نباتي متزن؟ الكثير من المطاعم خيارها النباتي الوحيد هو البطاطا المقلية، ولا يملك معظمنا الوقت او الجهد او المال الكافي لاعداد وجبات نباتية يوميّة متزنة. بسبب العوائق المذكورة 84% من النباتيين يعودون لتناول اللحوم في مرحلة ما من حياتهم حسب دراسةٍ للـHumane Research Council.
اذا اردنا ان نطالب البشرية بالالتزام بنظام معين، فمن غير المنطقي ان يكون هذا النظام غير مستدام ولا يمكن الالتزام به والثبات عليه. مجددا اكرر: نحن لا نعيش في عالم افلاطونيّ مثالي، علينا ان نجد اقل الحلول ضررا وأكثرها فاعليّة.
لذلك شاع مؤخرا الرأي الداعي للمعاملة الانسانية للحيوانات في المزارع، و وتقليل استهلاك اللحوم الحمراء، دون الاستغناء عنها تماما، ظهر هذا الرأي في مسعى لضمان الالتزام بالاستمراريّة التي صعب تحقيقها في النظام النباتي.
من الجدير بالذكران هناك حلا يرضي جميع الاطراف ظهر في بداية العقد الماضي وطبق لاول مرة عام 2013 وهو اللحوم المستنبتة مختبريا، بحيث يؤخذ نسيج من الحيوان دون قتله ويستنبت في المختبر. قد يبدو هذا الحل جزءا من فلم خيال علمي.. ولكن من يدري؛ ربما يحمل المستقبل لحوم المختبرات بدلا من السيارات الطائرة!
المصادر: