انتشر في الأونة الأخيرة مقالات متعددة تربط بين البحث الحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 2016 والصيام ثم ربط كل ذلك بعلاج كل الأمراض وصولا للسرطان..
هل هذه الادعاءات صحيحة؟ وهل من الممكن للصيام وحده علاج مرض السرطان؟ هذا ما سنصل له بقراءة السطور التالية….
في الوقت الذي أصبح السرطان مرتبط بالغذاء والبدانة، إزدادت الحاجة إلى التدخل
في النظام الغذائي للمساعدة في علاج السرطان، ومنها تخفيض معدل السعرات الحرارية بإستخدام الصيام الطبي أو الصيام المتقطع والمحكوم بعدد ساعات معين يقررها الطبيب أو إستشاري التغذية ، وبالتالي الحميات الغذائية التي يجب أن تُقرر للمريض يجب أن تكون متخصصة بحالته الفردية ومدروسة وبناءا على فحوصاته السريرية والمخبرية، لإن أي زيادة أو نقصان في العناصر
الغذائية يكون لها تأثيرها الكبير على جملة التفاعلات الحيوية في الجسم.
قبل تسعين عام نشر العالم أوتو فاربورغ ورقته البحثية التي تثبت إن الخلية السرطانية تعمل على تفعيل هضم الجلوكوز بأسرع الطرق ودون الحاجة إلى الأوكسجين وبسبب مخرجات هذا التفاعل من حمض اللاكتيك والتي تزيد من الوسط الحامضي للخلية السرطانية مما يجعلها وسطا مثاليا للنمو الإنتشار من خلال تثبيط عمل الجهاز المناعي .
ولأن معدلات الإستقلاب في الخلية السرطانية أعلى منها في الخلايا الطبيعية تهدف دراسات الصيام المتقطع إلى تقليل تركيز الجلوكوز بالدم مما يقلل من مستقبلات الإنسولين في الخلية السرطانية و يؤدي إلى موتها، وإلى الآن هذه الدراسات المخبرية لها فوائدها ولكن قلة الدراسات السريرية لم تجعلها في مجال الإعتراف الطبي بشكل معلن مما زادت من وتيرة نشر المغالطات الكبيرة في هذا المجال ومنها خرج مفهوم تجويع الخلايا السرطانية
Starving cancer cells
مفهوم التجويع في نظام تخليق الأوعية:
ولكن قبل أن أشرح معني التجويع لابد أن أعرج على مفهوم أخر ويعتبر من أهم علامات السرطان وهو تخليق الأوعية الدموية Angiogenesis
حيث :
– أوعية دموية Angio
genesis – تخليق
فجسم الإنسان يحتوي على ٦٠ ألف ميل من الأوعية الدموية وعلى ١٩ مليون شعيرة دموية ، وظيفة الأوعية الدموية هي نقل الأوكسجين والعناصر الغذائية إلى كافة أنحاء الجسم ، أما في حالة خلايا السرطان فالحاجة إلى الطاقة مضاعفة لإنها تحتاج لإن تنقسم وتنتشر وتحمي نفسها من الجهاز المناعي.
ولكن كيف تخلق الخلية السرطانية شعيراتها الدموية ؟
تقوم الخلية السرطانية بإرسال إشارات هرمونية تعمل على تحفيز الشعيرات الدموية بإن تمتد لها لتقوم بتغذيتها بالمواد الغذائية والأوكسجين حتى تنمو وتكبر، والعديد من الدراسات تحاول إيجاد علاج لقطع هذه الإمدادات عن الخلية السرطانية وعدم تكون شعيرات دموية مساندة لها ومنها صرحت منظمة الغذاء والدواء علي العديد من مضادات التخليق Antiangiogensis ولكن بعضها لم يكن بالفعالية المطلوبة حيث تقلل من تروية الأوعية الدموية بشكل عام مما يسبب مشاكل مضاعفة للمريض.
ومن هنا جاء مصطلح التجويع ك طريق مساند لمضادات التخليق Antiangiogensis أو بديل ويرتكز على حميات غذائية منخفضة السعرات الحرارية أو من خلال الصيام المتقطع حيث تقوم على التقليل من وصول الجلوكوز إلى الخلايا السرطانية وبالتالي يقل معامل التخليق VGEF لديها فتنحصر على نفسها وتموت.
عدة دراسات على الحيوانات المخبرية أثبتت عملياً كفاءة التجويع في سرطان الثدي والبروستات والدماغ وكذلك سرطان المعدة ولكن هذا لا يمكن إجماله على كل مرضى السرطان لإنه من المهم إستشارة الطبيب حيث إن مرضى السكري لا ينصح لهم في مثل هذه الحميات وكذلك المبالغة في إستخدام هذه الحميات قد يؤدي إلى ما يسمي ب Cachexia وهي فقدان للوزن بشكل كبير جدا مع ضعف الكتلة العضلية وبالتالي يصبح المريض ضعيف غير قادر على مقاومة المرض بسبب الوهن.
ولكن ماذا عن مفهوم الإلتهام الذاتي التي يتم تداولها في وسائل التواصل الإجتماعي ، حيث ذُكر إن جوع الجسد يأكل نفسه أو يقوم بتنظيف نفسه ! ويتم تذييل هذه المعلومة بجائزة نوبل التي حصل عليها العالم الياباني يورشينوري أوسومي عام ٢٠١٦ ، وهنا لابد من تسليط الضوء على المعلومة الصحيحة .
الإلتهام الذاتي Autophagy:
Autophagy جاءت من المصطلح الإغريقي Auto ومعناها Self و Phagien ومعناها To eat.
وهي عملية فسيولوجية تقوم فيها الخلية بإلتهام عضياتها الداخلية والبروتينات التي إنتهت مدة صلاحيتها بواسطة عضي الليسوسوم والذي يقوم بهضمها وتحليلها بفعل إنزيمات خاصة ويتخلص منها. وبالتالي يعمل على تحفيز الخلية على تجديد نفسها . أما عن أهميتها فهي تعتبر خط دفاعي ضد السرطان والإلتهابات والأمراض العصبية وأثبتت الدراسات إن عدم فعالية هذه العملية في الأعصاب له دور أساسي في حدوث الزهايمر. ووجد العلماء إن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم معالم الشيخوخة ويتمتعون بصحة جيدة تكون فعالية هذه العملية ممتازة ومن أهم العوامل التي تزيد من فعالية هذه الآلية بجانب الرياضة هو الصيام الطبي ( كما ذكر سابقا في التجويع ).
نشرت مجلة Cell العلمية العالمية بحثاً يوثق إرتباط الصيام بآلية الإلتهام الذاتي ، وأكدت إن الصيام بحيث يعمل على زيادة فعالية عملية الإلتهام الذاتي للخلية حيث إن تراكم الفضلات والجذور الحرة يعطل عمل عدد من الإنزيمات .
ولكن كل ما ذكر ينبطق على الإنسان السليم الذي يتمتع بصحة جيدة وليس الشخص المريض الذي لا بد من الأستمرار على الأدوية وحمية غذائية معينة ، لإن أي جفاف بالجسم بسبب نقص السوائل أو التغذية التي تحتوي على العناصر المهمة التي تزيد من دور الجهاز المناعي وكذلك في عملية نقل وإستقلاب الأدوية المختلفة ، حيث إن الإنسان المريض تختل في خلاياه العديد من العمليات الحيوية.
الدور الغذائي في التجويع:
ركز العديد من الباحثين على فهم آلية الإستقلاب الخلية السرطانية Cancer metabolism لأن التغذية تعتبر المسبب الثاني والرئيسي للسرطان بعد التدخين ، وبالتالي إتجهت الدراسات إلى إيجاد حميات غذائية مختلفة ومنها الحمية الكيتونية والتي تركز على قلة الكربوهيدرات وزيادة الدهون الصحية وبالتالي تساعد على تثبيط الإشارات التي ترسلها الخلية السرطانية إلى الأوعية الدموية حتي تمدها بالغذاء، كذلك تخفض من معامل الأنسولين IGF-1 في الخلية السرطانية وهناك العديد من الدراسات التي أفادت إنها ساعدت في تقليل إنتشار أو حجم الورم ولكن لم يثبت بعد إنها تخلصت تماما من الخلايا السرطانية أو قتلتها كما يتم تداوله على السوشيال ميديا.
علياء كيوان
باحثة في مركز السرطان الألماني / جامعة هايدلبرغ
المراجع:
1 تعليق واحد. Leave new
هل هذا الصيام الذي يؤدي الى عملية الالتهام الذاتي هو خالي من الماء وهل هذه العمليات المعقده التي تلتهم الخلايا السرطانية كما ذكر لا تحتاج الى الماء للحدوث و بمعنى اخر اود السؤال هل الصيام الاسلامي هو الصيام الذي تحدثِ عنه في المقال؟