تحت عنوان “حادثة أكل السفير الفرنسي” ، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي قصة يزعم ناشروها أن مجموعة من آكلي لحوم البشر في الكونغو ذبحوا أول سفير فرنسي عُيّن في العاصمة كينشاسا بعد مرور عام واحد على تعيينه ثم أكلوه.
وفي أعقاب احتجاج فرنسا على الحادث المزعوم ومطالبتها بتعويض اعتذرت حكومة الكونغو واقترحت أكل سفيرها في فرنسا عوضا عنه.
فما حقيقة هذه القصة؟
نص ادعاء “مقتل أول سفير فرنسي في الكونغو وأكل لحمه ..”
هو أول سفير فرنسي معتمد في هذا البلد خلال الفترة الممتدة بين 1960 و 1962 وتحديدا في العاصمة كينشاسا ،
وقد تقلد بعد ذلك “بيير ألبير شغبونييه” منصب سفير فرنسا في وارسو عاصمة بولندا بين عامي 1962 و 1966،
أما وفاته فكانت عام 1968، أي أنه قضى مهامه الديبلوماسية في العاصمة الكونغولية لمدة سنتين، وعُين بعد ذلك سفيرا لبلده في بولندا لمدة أربع سنوات،
ثم توفي عن عمر ناهز 64 عاما، مما يثبت زيف الادعاء.
وبالمقابل، فإن الديبلوماسي “جان فان دن بوش” هو أول سفير بلجيكي عُين في كينشاسا بالكونغو الديمقراطية بعد استقلالها، وقد استمرت مهامه فيها إلى غاية 30 يناير 1962، فيما كانت وفاته في 15 ديسمبر 1985.
هل سبق اغتيال سفير فرنسي في الكونغو الديمقراطية منذ استقلالها ؟
قتل السفير الفرنسي في زائير سابقا (الكونغو الديمقراطية) “فيليب برناردPhilippe Bernard“ في 28 يناير 1993،
في مبنى السفارة الفرنسية في كينشاسا بثلاث رصاصات في القلب أطلقت خلال اشتباك بين جنود موالين وجنود متمردين يقاتلون ضد رئيس البلاد آنذاك “موبوتو”.
كشفت تحقيقات رجال الدرك حول ملابسات وفاته أن الطلقات النارية التي وجهت إلى السفارة في خضم واقعة إطلاق النار
جرت باستخدام العديد من الأسلحة الأوتوماتيكية دون أن تكون عملاً متعمدًا ذي دلالة سياسية يستهدفه بصفته دبلوماسيًا.
بناء على ذلك يتبين أن السفير الفرنسي الوحيد الذي اغتيل في كينشاسا كان بسبب إطلاق الرصاص خلال اشتباكات بين الحكومة ومتمردين عام 1993 ،
ولا علاقة للحادث بآكلي لحوم البشر ، كما أنه وقع بعد استقلال الكونغو الديمقراطية بما يناهز 33 سنة.
هل الصورة المرفقة بقصة الادعاء تظهر آكلي لحوم البشر في الكونغو الديمقراطية ؟
أرشد البحث العكسي عن الصورة في محرك جوجل إلى نتائجمتطابقة، أكدت أنها تُظهر رجال الأزاندي مع الدروع والقيثارة ، بين عامي 1877 و 1880 م.
وأفادت أن مصدر الصورة يعود إلى متحف “بيت ريفرز” في جنوب السودان ، والتقطها المصور ” Richard Buchta ريتشارد بوكتا “،
وأشارت موسوعة ويكيبديا إلى أن الصورةمتاحة للتداول العام عقب مرور أزيد من 70 سنة على وفاة صاحبها.
ومن خلال تعميق البحث في السيرة الذاتية لهذا المصور، يتبين أنه نمساوي وصل الخرطوم عام 1877، والتقط صوره بشكل أساسي في جنوب السودان على طول نهر النيل الأبيض حتى شمال أوغندا اليوم،
وذلك خلال رحلاته لاستكشاف السودان المصري، ولم يثبت أنه وصل إلى أراضي الكونغو الديمقراطية أو التقط فيها صورا علما أنها كانت تحت الإدارة البلجيكية آنذاك.
وفي السياق نفسه، ذكرالمؤرخ “كريستوفر مورتون” أن هذه الصورة التقطت في جنوب السودان وتحديدا عام 1879.
صورة شاشة التقطت بتاريخ 20 يونيو 2021 – موقع Academia
جدير بالذكر أن شعب الأزاندي يعيش بشكل أساسي في الجزء الشمالي الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية ، وفي الجزء الجنوبي الأوسط والجنوب الغربي من جنوب السودان ، و أيضا في جنوب شرق جمهورية إفريقيا الوسطى،
وكان يُعتقد سابقًا أنهم أكلة لحوم البشر ، ويشار إليهم أحيانًا باسم Niam-Niam ، وفي عام 2001 ذهب آخرون إلى حد القول إن أكل لحوم البشر لا يمكن إثباته في حالة واحدة في إفريقيا ،
وغالبًا ما كان يستخدم هذا الوصف كأداة دعاية يوفر المعيار النهائي والعذر المثالي لإخضاع الشعوب المتهمة به.
وبناء على ما سبق، يتبين أن الصورة قديمة التقطت في نهاية القرن التاسع عشر ، وتظهر محاربين من شعب الأزاندي في جنوب السودان وليس الكونغو الديمقراطية .
تقييم فتبينوا:
استنادا إلى ما سلف، يتبين أن :
أول سفير معتمد من قبل فرنسا في الكونغو الديمقراطية بعد استقلالها أنهى مهامه الديبلوماسية خلال عامين من تاريخ تعيينه، ولم يتعرض للاغتيال خلال سنته الأولى ،
بل واصل عمله الديبلوماسي في بلد آخر ثم توفي عام 1968.
جمهورية الكونغو الديمقراطية حصلت على استقلالها عن بلجيكا وليس فرنسا .
صورة الادعاء التقطت في جنوب السودان ولا علاقة لها بالكونغو الديمقراطية .
لذا قررت منصة فتبينوا تصنيف الادعاء على أنه زائف تماما.
يمكنك الاطلاع على المزيد من الادعاءات الزائفة التي تحققت منها فتبينوا من هنا