لا، لم تتوصل هذه الدراسة إلى أن النواة الداخلية للأرض قد توقفت تماما عن الدوران

آخر المقالات

تناقل ناشطون على فيسبوك منشورات تدعي أن دراسة حديثة نشرتها مجلة Nature Geoscience العلمية خلصت إلى أن نواة الأرض الداخلية قد توقفت عن الدوران،

مما سوف يتسبب – بحسب الادعاء – بحدوث تغيرات على المناخ ومستوى سطح البحر ومن المحتمل أن تعكس الأرض اتجاه دورانها،

فما مدى صحة هذه الادعاءات؟ تابع المقال الآتي..

الإدّعاء

نشر أحد مستخدمي فيسبوك الادعاء في 07 فبراير 2023 وفق النص الآتي – دون تصرف -:

عااااااااجل  توقف نواة الأرض!! بحسب دراسة علمية نشرها ” Nature Geoscience ” قالوا فيها إنه نواة الأرض الداخلية توقفت عن الدوران ! وهالشي حيكون له نتائج وتأثيرات عالمية منها : ★ مناخ الأرض حيتغير ★ طول اليوم حيقصر ★ مستوى البحر حيرتفع ★ ومن الممكن أن تدور الأرض في الإتجاه المعاكس !! ” لحظتها يقعد شروق الشمس من مغربها ” هالدراسة جت بعد تحليل 200 زلزال قرب القطب الجنوبي للأرض هالزلازل أعطت نمط موجات يوحي بأنه دوران النواة الداخلية للأرض توقف مؤخراً

حقق الادعاء هنا أكثر من 6700 تفاعل، كما تمت مشاركته 916 حتى لحظة نشر هذا المقال،

كما تناقلت الادعاء ذاته وبصيغ مختلفة صفحات وحسابات أخرى على فيسبوك هنـا، هنـا وهنـا.

إثر ذلك، أجرى فريق فتبينوا تحريًّا حول حقيقة الادّعاء المتداول، فأسفر عن الآتي:

نتيجة التحري

مضلل

النواة الداخلية وتأثيرها على كوكب الأرض

من المعروف أن الأرض تدور حول محورها مرة كل 24 ساعة تقريبًا.

لكن اللب الداخلي للأرض (النواة) عبارة عن كرة حديدية بحجم القمر تقريبًا تطفو داخل محيط من المعدن المنصهر،

مما يعني أنها حرة في الدوران بشكل مستقل عن الدوران واسع النطاق لكوكبنا، وهي ظاهرة تُعرف باسم الدوران الفائق (التفاضلي).

أما مدى السرعة التي تسير بها النواة فقد كانت محل نقاش ساخن بين العلماء،

ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أنها تدور أسرع من دوران سطح الأرض، يفترض آخرون أنها تدور بنفس سرعة دوران الكوكب.

كما يضيف عالم الجيولوجيا Xiaodong Song، أنه من المحتمل أيضًا أن يتغير معدل دوران النواة الداخلية بمرور الوقت،


رسم توضيحي لاتجاه دوران اللب الداخلي للأرض (النواة) مقارنة مع باقي طبقات الأرض


حتى الآن ، لا يوجد الكثير مما يشير إلى أن ما يفعله اللب الداخلي (النواة) له تأثير كبير على سكان السطح.

بينما يُعتقد أنه يساهم بشكل كبير في توليد المجال المغناطيسي للأرض، الذي بدونه تستحيل الحياة على الكوكب.

هل بينت الدراسة التي نشرتها مجلة Nature Geoscience أن نواة الأرض قد توقفت عن الدوران؟

بالرجوع إلى المجلة المذكورة، تبين أن المجلة قد نشرت الدراسة في 24 يناير 2023 عبر بيانٍ صحفيّ صدر بعنوان:

“علوم الأرض: قد يتباطأ دوران اللب الداخلي للأرض”،

كما أفادت في السطر الأول من البيان الصحفي الذي قدمت الدراسة من خلاله:

“أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Nature Geoscience هذا الأسبوع أن دوران اللب الداخلي الصلب للأرض بالنسبة إلى غلافها ربما يكون قد تباطأ مؤخرًا ويمكن أن يدور ببطء أكثر من الوشاح”.

أي لم يكن هناك ما يشير في الورقة إلى أن نواة الأرض قد توقفت تمامًا عن الدوران –

بل فقط أن الاختلاف بين سرعة دورانها وسرعة دوران الوشاح قد تغير.

بينما نوهت المجلة أن هذه البيانات الواردة في هذا البيان قد تم تحديثها،

إثر ذلك أجرى فريق فتبينوا بحثًا عن نسخٍ محفوظة سابقة لهذا البيان، لنجد أنه كان قد نشر لأول مرة بعنوان:

علوم الأرض: قد ينعكس دوران اللب الداخلي للأرض“،

فيما أشارت في السطر الأول من المقالة آنذاك “ أن دوران اللب الداخلي الصلب للأرض قد يكون قد توقف مؤقتًا ويمكن أن ينعكس“.

إلا أن عدة جهات إعلامية كانت قد نقلت الدراسة بهذا العنوان بشكل مضلل،

إذ يوحي أن الدراسة خلصت إلى أن نواة الأرض قد توقفت تماما عن الدوران وسوف تعكس اتجاه دورانها،

علاوة على ذلك، أكدت Sarah McClenaghan المديرة الصحفية في المجلة لفريق فتبينوا، أن البيان الصحفي المرتبط بهذه الدراسة، قد تم تحديثه باستبدال بعض المصطلحات الأصلية المستخدمة بلغة أوضح،

كما أضافت أن مصطلح “الانعكاس – reversal” (ومشتقاته) يستخدم بشكل شائع من قبل مجتمع البحث الذي يركز على هذا المجال لوصف الظواهر المعنية،

ويقصد به تباطؤ أو تسريع النواة الداخلية بالنسبة إلى الوشاح.

كذلك أفادت McClenaghan أنه تم تعديل الورقة البحثية المذكورة، حيث تم تحديث بعض العبارات لوصف دوران النواة الداخلية بدقة أكبر،

والذي تمت مناقشته في هذه الدراسة على أنه دوران النواة الداخلية التفاضلي، ويقصد به الاختلاف في الدوران بين اللب الداخلي والوشاح.

بالمقابل، تشرح مقالة مختلفة من المجلة ذاتها، أن الدوران التفاضلي لنواة الأرض كان موضوع نقاش علمي لسنوات عديدة.

ومع ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أن النواة قد توقفت تمامًا عن الدوران.

بل بدلاً من الدوران بشكل أسرع قليلاً من بقية الكوكب، يشير هذا البحث إلى أنها ربما تدور الآن بشكل أبطأ.

 كما علق عالم الفلك فيل بليت على المقالات التي تزعم أن نواة الأرض قد توقفت عن الدوران بقوله: “كل مقالة رأيتها بها خطأ كامل“.

 

فيما كان بليت قد أوضح في مقاله الذي نشره عام 2022 حول دوران نواة الأرض الداخلية، أن العناوين التي تقول أن نواة الأرض قد تغير اتجاه دورانها هي مضللة،

مؤكدًا أن دوران نواة الأرض لم يتوقف ثم بدأ بالدوران في الاتجاه الآخر!

لكن ما يحدث هو أنه بالنسبة إلى الوشاح والقشرة، فقد غير اتجاهه، وانتقل من التحرك ببطء أمامنا إلى التحرك ببطء خلفنا.

بينما إذا كنت في الفضاء تنظر لأسفل على الأرض وتمكّنت بطريقة ما من قياس دوران النواة، فسترى أنها ستدور من الغرب إلى الشرق تمامًا مثل بقية الكوكب.

إنها سرعة ذلك الدوران فقط التي تغيرت.

لتبسيط الأمر، وصف بليت الحدث إنه مثل المرور بسيارة على الطريق السريع؛ بالنسبة لك، يبدو أنها تتحرك للخلف،

ولكن بالنسبة لشخص ما على الأرض، فإنها تتحرك بشكل أبطأ منك. فيما يوضح هذا المقطع الفكرة بشكل مصوّر (الدقيقة 02:55)،

أما عن تأثير هذا الحدث على الأرض، بين بليت أن تغير سرعة دوران النواة “يؤثر على طول اليوم” – الوقت الذي تستغرقه القشرة الصلبة للدوران مرة واحدة – يقصر ويطول بشكل دوري،

ويزيد وينقص بمقدار بضعة أعشار من ميلي ثانية كل ست سنوات.

ما الذي خلصت إليه هذه الدراسة؟ وهل هناك مخاطر محتملة وفقًا لنتائجها؟

حلل الباحثون في هذه الدراسة “Yi Yang و Xiaodong Song،” الموجات الزلزالية المتكررة من أوائل التسعينيات،

وبينت أن جميع المسارات التي أظهرت سابقًا تغيرات زمنية كبيرة لم تظهر سوى القليل من التغيير خلال العقد الماضي.

مما يشير هذا النمط المتسق عالميًا إلى أن الدوران الداخلي-الأساسي التفاضلي قد توقف مؤقتًا مؤخرًا.

وتربط الدراسة هذه التغيرات مع عدة ملاحظات جيوفيزيائية أخرى خاصة طول اليوم والمجال المغناطيسي.

كما توفر هذه الملاحظات دليلاً على التفاعلات الديناميكية بين طبقات الأرض.

هذا ولم  يذكر العلماء في دراستهم أن تباطؤ النواة يعني بداية نهاية الزمان، إذ يبدو أن الشيء نفسه قد حدث في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات،

كما يشير مؤلفو الدراسة إلى أنه قد يمثل دورة مدتها 70 عامًا من تسارع وتباطؤ دوران النواة.

كذلك أظهرت دراسة سابقة نشرت في Science Advances، أن اللب الداخلي للأرض قد غير الاتجاه -بالنسبة للوشاح – في فترة الست سنوات من 1969 إلى 1974،

فيما يقول العلماء إن نموذجهم للحركة الأساسية الداخلية يفسر أيضًا التباين في طول اليوم، والذي ثبت أنه يتأرجح باستمرار على مدار العقود العديدة الماضية.

ووفقًا لمجلة Science News، فقد يبدو هذا التحول في دوران النواة غريبًا، لكن من غير المحتمل أن يكون له تأثيرات عميقة على الحياة.

علاوة على ذلك، أكد الباحثان سونغ ويانغ لصحيفة USA Today الأمريكية:

أنه لا يوجد دليل على أن اللب الداخلي للأرض (النواة) يؤثر على العمليات السطحية للأرض، أو يتسبب في تغيير المناخ“،

اقرأ أيضًا: الأفيليون هو حدث فلكي سنوي، ولا يتسبب بإحداث تغييرات كبيرة على الطقس

تقييم فتبينوا:

بناء على ما سبق، تبيّن أن الدراسة المذكورة لم تقل أن نواة الأرض قد توقفت عن الدوران، بل فقط بينت أن الدوران التفاضلي للنواة قد يكون قد توقف مؤقتًا،

ولا يوجد أي دليل علمي يؤكد أن هذا الأمر يسبب تغييرات على المناخ أو مستوى سطح البحر أو على سطح الأرض بشكل عام، 

وعليه، قرر فريق فتبينوا تصنيف الادعاء على أنه مضلل.